في لهجة حذرة ولكنها حاسمة، اختار رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول منصة نادي الاقتصاد في شيكاغو ليُطلق رسالة مزدوجة؛ وهي أن الاقتصاد الأميركي لا يزال متيناً، لكن شبح التضخم قد يعود مجدداً، وهذه المرة بسبب السياسة التجارية للإدارة الجديدة في واشنطن، بناءً على موقع الفيدرالي الأميركي.
وبين مؤشرات نمو تتراجع، وسوق عمل لا يزال صامداً، ورسوم جمركية تهدد برفع الأسعار، يتريث الفيدرالي، مراقباً ومقيّماً، قبل اتخاذ قرارات مصيرية بشأن أسعار الفائدة
أشار باول إلى أن الاقتصاد الأميركي لا يزال في «وضع جيد» رغم تباطؤ النمو خلال الربع الأول من عام 2025، وذلك نتيجة ضعف إنفاق المستهلكين وزيادة الواردات المدفوعة بالخوف من الرسوم الجمركية، ما يؤثر سلباً على الناتج المحلي الإجمالي.
ومع انتظار القراءة الأولية لنمو الربع الأول خلال أسابيع، بدأت التوقعات السنوية بالنزول تدريجياً، وإن بقيت ضمن نطاق النمو الإيجابي.
في سوق العمل، لا يزال الأداء صلباً نسبياً، إذ أضاف الاقتصاد الأميركي في أول ثلاثة أشهر من 2025 نحو 150 ألف وظيفة شهرياً.
ورغم تباطؤ الوتيرة مقارنة بالعام السابق، بقي معدل البطالة مستقراً في مستويات منخفضة، مع استمرار تراجع عمليات التسريح وضعف نمو القوة العاملة.
لا يزال معدل التضخم، الذي كان الهم الأكبر منذ الجائحة، أعلى قليلاً من هدف الاحتياطي الفيدرالي عند 2 في المئة، إذ بلغ مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) السنوي 2.3 في المئة في مارس آذار، و2.6 في المئة باستثناء الغذاء والطاقة.
هذا التراجع التدريجي في التضخم يُعد إنجازاً نسبياً، خصوصاً أنه تحقق دون ارتفاع كبير في البطالة، بخلاف ما حدث في أزمات سابقة.
لكن لم يُخفِ باول قلقه من المرحلة المقبلة، خاصة مع بدء تطبيق رسوم جمركية أعلى من المتوقع، هذه السياسات، كما قال، ستُترجم إلى «تضخم أعلى ونمو أبطأ»، وقد تؤثر بشكل مباشر على توقعات الأسواق والمستهلكين للتضخم في المدى القريب.
بالفعل، بدأت مؤشرات التوقعات التضخمية القصيرة الأجل في الارتفاع، بينما تبقى التوقعات الطويلة الأجل «مرتكزة جيداً»، بحسب تعبيره.من الناحية النقدية، لمّح باول إلى أن الفيدرالي لا يرى ضرورة فورية لتغيير أسعار الفائدة، وقال إن البنك المركزي «في وضع جيد للانتظار حتى تتضح الصورة»، مشيراً إلى أن التوازن بين هدفَي التشغيل الكامل واستقرار الأسعار قد يصبح أكثر صعوبة إذا ما تصادما في المرحلة المقبلة.
يمثل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إحدى أهم أدوات السياسة النقدية التي يستخدمها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للسيطرة على معدلات التضخم، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
شهدت أسعار الفائدة الفيدرالية في أميركا استقراراً ملحوظاً عند مستويات قريبة من الصفر (0.25 في المئة) طوال عام 2021 وحتى بداية عام 2022، وذلك في ظل سياسات التيسير النقدي التي اعتمدها الاحتياطي الفيدرالي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا ودعم التعافي الاقتصادي.
لكن، اعتباراً من مارس آذار 2022، بدأ الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة تدريجياً في استجابة مباشرة لتسارع معدلات التضخم، التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.
كان الانتقال حاداً وسريعاً نسبياً، إذ ارتفع المعدل من 0.25 في المئة في فبراير 2022 إلى 4.50 في المئة بحلول ديسمبر كانون الأول 2022، أي زيادة بمقدار 425 نقطة أساس خلال أقل من عام.